كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَكَانَ في المدينة} أي مدينة ثمود وقريتهم وهي الحجر {تِسْعَةُ رَهْطٍ} هو اسم جمع يطلق على العصابة دون العشرة كما قال الراغب؛ وفي الكشاف هو من الثلاثة أو من السبعة إلى العشرة، وقيل: بل يقال إلى الأربعين وليس بمقبول، وأصله على ما نقل عن الكرماني من الترهيط وهو تعظيم اللقم وشدة الأكل، وقد أضيف العدد إليه.
وقد اختلف في جواز إضافته إلى اسم اجلمع فذهب الأخفش إلى أنه لا ينقاس وما ورد من الإضافة إليه فهو على سبيل الندور، وقد صرح سيبويه أنه لا يقال ثلاث غنم.
وذهب قوم إلى أنه يجوز ذلك وينقاس وهو مع ذلك قليل، وفصل قوم بين أن يكون اسم الجميع للقليل كرهط ونفر وذود فيجوز أن يضاف إليه إجراء له مجرى جمع القلة أو للكثير أو يستعمل لهما فلا يجوز إضافته إليه بل إذا أريد تمييزه به جيء به مقرونًا بمن كخمسة من القوم، وقال تعالى: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مّنَ الطير} [البقرة: 260] وهو قول المازني.
واختار غير واحد أن إضافة تسعة إلى رهط ههنا باعتبار أن رهطًا لكونه اسم جمع للقليل في حكم أشخاص ونحوه من جموع القلة وهي يضاف إليها العدد كتسعة أشخاص وستع أنفس وهذا معنى قولهم: إن وقوع رهط تمييزًا لتسعة باعتبار المعنى فكأنه قيل تسعة أشخاص، وقيل أي تسعة أنفس.
وتأنيث العدد لأن المذكور في النظم الكريم {رَهْطٍ} وهو مذكر فليس ذاك من غير الفصيح كقوله ثلاثة أنفس وثلاث ذود، نعم تقدير ما تقدم أسلم من المناقشة، وأما ما قيل أي تسعة رجال ففيه الغفلة عما أشرنا إليه، ثم إنه ليس المراد أن الرهط بمعنى الشخص أو بمعنى النفس بل أن التسعة من الأشخاص أو من الأنفس هي الرهط فليس المعدود بالتسعة ما دل عليه الرهط من الجماعة ليكون هناك تسع جماعة لا تسعة أفراد.
وقال الإمام الأقرب أن يكون المراد تسعة جمع إذ الظاهر من الرهط الجماعة، ثم يحتمل أنهم كانوا قبائل، ويحتمل أنهم دخلوا تحت العدد لاختلاف صفاتهم وأحوالهم لا لاختلاف النسب اه، وقيل: كان هؤلاء التسعة رؤساء مع كل واحد منهم رهط، ولذا قيل تسعة رهط وأسماؤهم عن وهب الهذيل بن عبد رب وعنم بن غنم ودباب بن مهرج وعمير بن كردية وعاصم بن مخزمة وسبيط بن صدقة وسمعان بن صفى وقدار بن سالف وهم الذين سعوا في عقر الناقة وكانوا عتادة قوم صالح ومن أبناء أشرافهم، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن أسماءهم دعمى ودعيم وهرمى وهريم ودواب وصواب ودياب ومسطح وقدار وهو الذي عقر الناقة {يُفْسِدُونَ في الأرض} لا في المدنية فقط افسادًا بحتًا لا يخالطه شيء من الصلاح كما ينطق به قوله تعالى: {وَلاَ يُصْلِحُونَ} أي لا يفعلون شيئًا من الاصلاح أو لا يصلحون شيئًا من الأشياء، والمراد أن عادتهم المستمرة ذلك الإفساد كما يؤذن به المضارع، والجملة في موضع الصفة لرهط أو لتسعة.
{قَالُواْ} استئناف بيان بعض ما فعلوا من الفساد أي قال بعضهم لبعض في أثناء المشاورة في أمر صالح عليه السلام.
وكان ذلك على ما روي عن ابن عباس بعد أن عقروا الناقة أنذرهم بالعذاب، وقوله: {تَمَتَّعُواْ في دَارِكُمْ ثلاثة أَيَّامٍ} [هود: 65] الخ {تَقَاسَمُواْ بالله} أمر من التقاسم أي التحالف وقع مقول القول وهو قول الجمهور.
وجوز أن يكون فعلًا ماضيًا بدلًا من {قَالُواْ} أو حالا من فاعله بتقدير قد أو بدونها أي قالوا متقاسمين ومقول القول {لَنُبَيّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} الخ، وجوز أبو حيان على هذا أن يكون بالله من جملة المقول.
والبيات مباغتة العدو مفاجأته بالإيقاع به ليلًا وهو غافل.
وأراد واقتله عليه السلام وأهله ليلًا وهم غافلون.
وعن الاسكندر أنه أشير عليه بالبيات فقال: ليس من آيين الملوك استراق الظفر.
وقرأ ابن أبي ليلى {تُقْسِمُواْ} بغير ألف وتشديد السين، والمعنى كما في قراءة الجمهور وقرأ الحسن وحمزة والكسائي {لتبيتنه} بالتاء على خطاب بعضهم لبعض.
وقرأ مجاهد وابن وثاب وطلحة والأعمش {ليبيتنه} بياء الغيبة.
و{قَالُواْ تَقَاسَمُواْ} على هذه القراءة لا يصح إلا أن يكون خبرًا بخلافه عنالقراءتين الأوليين فإنه يصح أن يكون خبرًا كما يصح أن يكون أمرًا.
وذلك لأن الأمر خطاب والمقسم عليه بعده لو نظر إلى الخطاب وجب تاءالخطاب ولو نظر إلى صيغة قولهم عند الحلف وجب النون فأما ياء الغائب فلا وجه له.
وإما إذا جعل خبرًا فهو على الغائب كما تقول حلف ليفعلن {ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيّهِ} أي لولي صالح والمراد به طالب ثاره من ذوي قرابته إذا قتل.
وقرأ: {لتقولن} بالتار من قرأ: {لتبيتنه} كذلك.
وقرأ: {بِئَايَةٍ لَّيَقُولَنَّ} بياء الغيبة من قرأ بها فيما تقدم.
وقرأ حميد بن قيس الأول بياء الغيبة وهذا بالنون.
قيل: والمعنى على ذلك قالوا متقاسمين بالله ليبيتنه قوم مناثم لنقولن جميعنا لوليه {مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} أي ما حضرنا هلاكهم على أن {مُهْلِكَ} مصدر كمرجع أو مكان هلاكهم على أنه للمكان أو زمان هلاكهم على أنه للزمان.
والمراد نفي شهود الهلاك الواقع فيه.
واختاروا نفي شهود مهلك أهله على نفي قتلهم إياهم قصدًا للمبالغة كأنهم قالوا ما شهدنا ذلك فضلًا عن أن نتولى إهلاكهم.
ويعلم من ذلك نفي قتلهم صالحًا عليه السلام أيضًا لأن من لم يقتل اتباعه كيف يقتله، وقيل في الكلام حذف أي ما شهدنا مهلك أهله ومهلكه، واستظهره أبو حيان ثم قال وحذف مثل هذا المعطوف جائز في الفصيح كقوله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر} [النحل: 81] أي والبرد وقال الشاعر:
فما كان بين الخير لو جاء سالما ** أبو حجر الا ليال قلائل

أي بين الخير وبيني اه وفيه ما لا يخفى.
وقيل: الضمير في {أَهْلِهِ} يعود على الولي والمراد بأهل الولي صالح وأهله.
واعترض بأنه لو أريد أهل الولي لقيل أهلك أو أهله ومنع بأن ذلك غير لازم فقد قرئ: {قُلْ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ} [آل عمران: 12] بالخطاب والغيبة ووجه ذلك ظاهر.
نعم رجوع الضمير إلى الولي خلاف الظاهر كما لا يخفى.
وقرأ الجمهور {مُهْلِكَ} بضم الميم وفتح اللام من أهلك وفيه الاحتمالات الثلاث.
وقرأ أبو بكر {مُهْلِكَ} بفتحهما على أنه مصدر {وِإِنَّا لصادقون} عطف على {مَا شَهِدْنَا} كما ذهب إليه الزجاج والمعنى ونخلف وإنا لصادقون وجوز أن تكون الواو للحال أي والحال إنا لصادقون فيما ذكرنا واستشكل ادعاؤهم الصدق في ذلك وهم عقلاء ينفرون عن الكذب ما أمكن.
وأجيب بأن حضور الأمر غير مباشرته في العرف لأنه لا يقال لمن قتل رجلاف أنه حضر قتله وإن كان الحضور لازمًا للمباشرة فحلفوا على المعنى العرفي على العادة في الإيمان وأوهموا الخصم أنهم أرادوا معناه اللغوي فهم صادقون غير حانثين، وكونهم من أهل التعارف أيضًا لا يضر بل يفيد فائدة تامة، وقال الزمخشري.
كأنهم اعتقدوا أنهم إذا بيتوا صالحًا وبيتوا أهله فجمعوا بين البياتين، ثم قالوا ما شهدنا مهلك أهله فذكروا أحدهما كانوا صادقين لأنهم فعلوا البياتين جميعًا لا أحدهما.
وتعقب بأن من فعل أمرين وجحد أحدهما لم يكن في كذبه شبهة وإنما تتم الحيلة لو فعلوا أمرا واحدًا وادعى عليهم فعل أمرين فجحدوا المجموع.
ولذا لم يختلف العلماء في أن من حلف لا أضرب زيدًا فضرب زيدًا وعمرًا كان حانثًا بخلاف من حلف لا أضرب زيدًا وعمرًا ولا آكل رغيفين فأكل أحدهما فإنه محل خلاف للعلماء في الحنث وعدمه، والحق أن تبرئتهم من الكذب فيما ذكر غير لازمة حتى يتكلف لها وهمالذين كذبوا على الله تعالى ورسوله عليه السلام وارتكبوا ما هو أقبح من الكذب فيما ذكر، ومقصود الزمخشري تأييد ما يزعمه هو وقومه من قاعدة التحسين والتقبيح بالعقل بموافقة قوم صالح عليها ولا يكاد يتم له ذلك.
{وَمَكَرُواْ مَكْرًا} بهذه المواضعة {وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ يَشْعُرُونَ} أي أهلكناهم إهلاكًا غير معهود أو جازينا مكرهم من حيث لا يحتسبون.
{فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة مَكْرِهِمْ} شروع في بيان ما ترتب على ما باشروه من المكر، والظاهر أن {كَيْفَ} خبر مقدم لكان و{عاقبة} الاسم أي كان عاقبة مكرهم واقعة على وجه عجيب يعتبر به، والجملة في محل نصب على أنها مفعول انظر وهي معلقة لمكان الاستفهام، والمراد تفكر في ذلك.
وقوله تعالى: {أَنَّا دمرناهم} في تأويل مصدر وقع بدلًا من {عاقبة مَكْرِهِمْ} أو خبر مبتدأ محذوف هو ضمير العاقبة، والجلمة مبينة لما في عاقبة مكرهم من الإبهام أي هو أو هي تدميرنا واهلاكنا إياهم {وَقَوْمَهُمْ} الذين لم يكونوا منهم في مباشرة التبييت {أَجْمَعِينَ} بحيث لم يشذ منهم شاذ أو هو على تقدير الجار أي لتدميرنا إياهم أو بتدميرنا إياهم ويكون ذلك تعليلًا لما ينبىء عنه الأمر بالنظر في كيفية عاقبة أمرهم من الهول والفظاعة.
وجوز بعضهم كونه بدلًا من {كَيْفَ}، وقال آخرون: لا يجوز ذلك لأن البدل عن الاستفهام يلزم فيه ءعادة حرفه كقولك كيف زيد أصحيح أم مريض؟
وجوز أن يكون هو الخبر لكان وتكون {كَيْفَ} حينئذ حالا والعامل فيها كان أو ما يدل عليه الكسلام من معنى الفعل، ويجوز أن تكون كان تامة و{كَيْفَ} عليه حال لا غير والاحتمالات الجائزة في {أَنَّا دمرناهم} لا تخفى وقرأ الأكثر {أَنَاْ} بكسر الهمزة.
فكيف خبر كان و{عاقبة} اسمها جملة {أَنَّا دمرناهم} استئناف لتفسير العاقبة، وجوز أن تكون خبر مبتدأ محذوف.
قال الخفاجي: الظاهر أنه الشأن أو ضميره لا شيء آخر مما يحتاج للعائد ليعترض عليه بعدم العائد.
ولا يرد عليه أن ضمير الشأن المرفوع منع كثير من النحويين حذفه فإنه غير مسلم، ويجوز أن تكون {كَانَ} تامة و{كَيْفَ} حال كما تقدم ولم يجوز الجمهور كونها ناقصة والخبر جملة {إِذَا دمرناهم} لعدم الرابط، وقيل: يجوز ويكفي للربط وجود ما يرجع إلى متعلق المبتدأ إذ رجوعه إليه نفسه غير لازم وهو تكلف وإنما يتمشى على مذهب الأخفش القائل إذا قام بعض الجملة مقام مضاف إلى العائد اكتفى به.
وغيره من انلحاة يأباه، وجوز أبو حيان على كلتا القراءتين أن تكون {كان} زائدة و{عاقبة} مبتدأ و{كَيْفَ} خبر مقدم له.
وقرأ أبي {أن دمرناهم} بأن التي من شأنها أن تنصب المضارع ويجري في المصدر الاحتمالات السابقة فيه على قراءة {أَنَاْ} بفتح الهمزة.
هذا وفي كيفية التدمير خلاف فروي أنه كان لصالح عليه السلام مسجد في الحجر في شعب يصلي فيه فقالوا زعم صالح أنه يفرغ منا بعد ثلاث فنحن نفرغ منه ومن أهله قبل الثلاث فخرجوا إلى الشعب وقالوا إذا جاء يصلي قتلناه ثم رجعنا إلى أهله فقتلناهم فبعث الله تعالى صخرة من الهضب حيالهم فبادروا فطبقت عليهم فم الشعل فلم يدر قومهم أين هم ولم يدروا ما فعل بقومهم وعذب الله تعالى كلا منهم في مكانه ونجى صالحًا ومن معه، وقيل: جاءوا بالليل شاهري سيوفهم، وقد أرسل الله تعالى ملائكة ملء دار صالح عليه السلام فرموهم بالحجارة يرونها ولا يرون راميًا وهلك سائر القوم بالصيحة وقيل: إنهم عزموا على تبييته عليه السلام وأهله فاخبر الله تعالى بذلك صالحًا فخرج عنهم ثم أهلكهم بالصيحة وكان ذلك يوم الأحد.
{فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ} حملة مقررة لما قبلها.
وقوله تعالى: {خَاوِيَةٍ} أي خالية أو ساقطة متهدمة أعاليها على أسافلها كما روي عن ابن عباس {بِمَا ظَلَمُواْ} أي بسبب ظلمهم المذكور حال من {بيوتهم} والعامل فيها معنى الإشارة.
وقرأ عيسى بن عمر {خَاوِيَةٍ} بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هي خاوية أو خبر بعد خبر لتلك أو خبر لها و{بُيُوتَهُمْ} بدل وبيوتهم هذه هي التي قال فيها صلى الله عليه وسلم لأصحابه عام تبوك «لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين» الحديث.
وهي بوادي القرى بين المدينة والشام {إِنَّ في ذَلِكَ} أي فيما ذكر من التدمير العجيب بظلمهم {لآيَةً} لعبرة عظيمة {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} أي ما من شأنه أن يعلم من الأشياء أو لقوم يتصفون بالعلم، وقيل: لقوم يعلمون هذه القصة وليس بشيء، وفي هذه الآية على ما قيل دلالة على الظلم يكون سببًا لخراب الدور.
وروي عن ابن عباس أنه قال أجد في كتاب الله تعالى أن الظلم يخرب البيوت وتلا هذه الآية، وفي التوراة ابن آدم لا تظلم يخرب بيتك، قيل وههو إشارة إلى هلاك الظالم إذ خراب بيته متعقب هلاكه، ولا يخفى أن كون الظلم بمعنى الجور والتعدي على عباد الله تعالى سببًا لخراب البيوت مما شوهد كثيرًا في هذه الأعصار، وكونه بمعنى الكفر كذلك ليس كذلك.
نعم لا يبعد أن يكون على الكفرة يوم تخرب فيه بيوتهم إن شاء الله تعالى.
{وَأَنجَيْنَا الذين ءامَنُواْ} صالحًا ومن معه من المؤمنين {وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} من الكفر والمعاصي اتقار مستمرًا فلذا خصوا بالنجاة.
روي أن الذين آمنوا به عليه السلام كانوا أربعة آلاف خرج بهم صالح إلى حضرموت وحين دخلها مات ولذلك سميت بهذا الاسم وبني المؤمنون بها مدينة يقال لها حاضورا، وقد تقدم الكلام في ذلك فتذكر. اهـ.